كيفية غرس شجرة الزيتون

طريقة غرس شجرة الزيتون

تُعد شجرة الزيتون واحدة من أكثر الأشجار المباركة شهرة في العالم، ولها قيمة رمزية واقتصادية وغذائية لا مثيل لها. تنتمي إلى العائلة الزيتونية (Oleaceae)، واسمها العلمي هو Olea europaea. شجرة الزيتون شجرة معمرة تُزرع منذ آلاف السنين في مناطق حوض البحر الأبيض المتوسط، كما انتشرت لاحقًا إلى مناطق متعددة حول العالم بسبب مقاومتها للظروف البيئية القاسية وإنتاجها لثمار ذات فوائد غذائية وصحية عالية.

تتم عملية غرس شجرة الزيتون بطريقة علمية ومدروسة تتطلب الالتزام بجملة من الخطوات والمعايير لضمان نجاح الزراعة وتحقيق إنتاجية جيدة على المدى البعيد. يتطلب غرس الزيتون فهماً دقيقاً لطبيعة التربة والمناخ، وكذلك توقيت الزراعة والطرق السليمة للتسميد والري والعناية المستدامة.

الظروف المناخية والتربة المناسبة لغرس الزيتون

المناخ

شجرة الزيتون من الأشجار المتكيفة بشكل كبير مع الظروف المناخية المتنوعة، إلا أنها تنمو بأفضل حالاتها في المناخ المتوسطي المعتدل، والذي يتسم بصيف حار وجاف وشتاء معتدل إلى بارد، مع أمطار متوسطة. لا تتحمل الزيتونة الصقيع الشديد ولا درجات الحرارة المتدنية لفترات طويلة، وقد تتأثر إنتاجيتها سلباً في المناطق التي تتعرض لموجات صقيع متكررة خلال موسم الإزهار.

التربة

يفضل غرس الزيتون في الترب الرملية الطينية الخفيفة جيدة التصريف، وتتحمل الشجرة الترب الفقيرة نسبياً، ولكن بشرط أن تكون غير مالحة أو متشبعة بالمياه. درجة الحموضة (pH) المثالية تتراوح بين 6 و8، وهي تربة قلوية إلى متعادلة. التربة الجيدة التصريف ضرورية لتفادي تعفن الجذور.

اختيار نوع الغرس

يعتمد نجاح غرس الزيتون بشكل كبير على طريقة الإكثار المستخدمة. وهناك طريقتان رئيسيتان:

1. الغرس بالعقل الخشبية أو النصف خشبية

يُستخدم هذا الأسلوب في المشاتل، حيث تُؤخذ عقل من أغصان شجرة زيتون ناضجة بطول 20-30 سم وتُزرع في بيئة رطبة وجيدة التهوية إلى أن تتجذر. تستغرق هذه الطريقة عدة أشهر حتى تتكون شتلة جاهزة للغرس في الأرض الدائمة.

2. الغرس بالشتلات الناتجة عن الترقيد أو التطعيم

ويُعد من أكثر الطرق استخداماً من قبل المزارعين نظراً لضمان نوعية الشجرة وثمارها. يتم تحضير شتلات مطعمة على أصول قوية مقاومة للأمراض أو مخصصة لأصناف معينة. الشتلات المطعمة تتفوق من حيث الإنتاجية وتحمل الظروف البيئية.

توقيت غرس الزيتون

أفضل فترة لغرس الزيتون تكون في نهاية فصل الشتاء وبداية فصل الربيع (من شهر فبراير إلى أبريل)، حيث تكون التربة قد امتصت كمية كافية من الرطوبة ويبدأ الطقس بالاعتدال. في المناطق ذات المناخ الحار والجاف، يمكن الغرس أيضاً في الخريف بشرط توفر مياه الري.

خطوات غرس شجرة الزيتون بالتفصيل

1. تحضير التربة

• الحراثة الأولية: تُحرث الأرض على عمق لا يقل عن 40-60 سم لتفكيك التربة وتحسين تهويتها.

• تنظيف الأرض: يتم التخلص من الحشائش والأعشاب الضارة وجذور النباتات السابقة.

• تحليل التربة: يُفضل إجراء تحليل مخبري للتربة لتحديد نسبة الأملاح، ودرجة الحموضة، ونسبة المواد العضوية.

• إضافة السماد العضوي: يضاف السماد البلدي المتخمر أو الكمبوست بمعدل 20-30 كغ لكل حفرة، ويفضل خلطه جيداً بالتربة.

2. حفر الحفر

يُفضل أن تكون الحفرة بعمق 60 سم وعرض 60 سم على الأقل، ويمكن زيادة العمق حسب طبيعة التربة. يجب ترك مسافة كافية بين الأشجار، حيث يُنصح بغرس الزيتون على مسافات تتراوح بين 6-8 أمتار بين الأشجار، خاصة في الزراعة المكشوفة أو التجارية.

3. زرع الشتلة

• تُوضع الشتلة في وسط الحفرة بحيث تكون الرقبة (نقطة التقاء الجذر بالساق) فوق سطح التربة.

• تُردم الحفرة تدريجياً بالتربة المخلوطة بالسماد العضوي.

• تُضغط التربة حول الشتلة بلطف لضمان استقرارها وعدم وجود فراغات هوائية.

4. الري بعد الغرس

بعد الغرس مباشرة، تُروى الشتلة بكميات معتدلة من الماء حتى تترطب التربة وتثبت الشتلة. يجب عدم الإفراط في الري لتجنب اختناق الجذور أو تعفنها.

التسميد والرعاية بعد الغرس

التسميد

خلال السنة الأولى، تركز العناية على النمو الخضري وتكوين الجذور. لذلك يُفضل استخدام الأسمدة العضوية بانتظام، بالإضافة إلى سماد يحتوي على النيتروجين والفوسفور والبوتاسيوم بتركيزات متوازنة. الجدول التالي يوضح نوعية التسميد المقترحة خلال أول ثلاث سنوات:

الري

يُروى الزيتون بانتظام خلال السنة الأولى خاصة في فترات الجفاف، وتقل الحاجة إلى الري مع تقدم عمر الشجرة. يعتمد الري على نوع التربة والطقس، ويُفضل نظام الري بالتنقيط لتوفير المياه.

التقليم والتشكيل

يبدأ التقليم في السنة الثانية أو الثالثة، ويهدف إلى:

• تشكيل الشجرة على هيئة كأسية أو مركز مفتوح لتسهيل دخول الضوء والهواء.

• إزالة الفروع الضعيفة أو المتشابكة.

• تشجيع النمو الأفقي بدلاً من النمو العمودي فقط.

تُجرى عمليات التقليم في فصل الشتاء بعد تساقط الأوراق، ويُراعى عدم تقليم أكثر من 30% من مجموع الفروع في الموسم الواحد.

الحماية من الأمراض والآفات

رغم مقاومة الزيتون للعديد من الآفات، إلا أن العناية الوقائية ضرورية:

• ذبابة ثمار الزيتون (Bactrocera oleae): تُعد من أخطر الآفات التي تؤثر على جودة الثمار.

• العفن الرمادي وفطريات التربة: قد تظهر في التربة سيئة التصريف.

• سوسة الأغصان والحفار: تصيب الأغصان الضعيفة أو المهملة.

تُستخدم المبيدات البيولوجية أو المركبات النحاسية بجرعات محددة، مع مراعاة عدم الإفراط في استخدامها حفاظاً على البيئة.

دخول الشجرة طور الإنتاج

تبدأ شجرة الزيتون بإعطاء ثمارها عادة بعد 3 إلى 5 سنوات من الغرس، ويزداد الإنتاج تدريجياً ليصل إلى ذروته في عمر 10 إلى 15 سنة. يُعد الزيتون من الأشجار ذات العائد الطويل الأمد، حيث تستمر بالإنتاج لعقود إن تم الاعتناء بها بشكل جيد.

الإنتاجية وطول عمر الشجرة

قد تتراوح إنتاجية الشجرة الناضجة بين 20 و100 كغ من الثمار في الموسم الواحد، تبعاً للصنف وظروف الزراعة والرعاية. شجرة الزيتون من الأشجار المعمرة التي قد يتجاوز عمرها 100 سنة، وبعض الأشجار التاريخية تجاوزت أعمارها الألف عام، ولا تزال حية ومنتجة.

فوائد زراعة الزيتون

• اقتصادية: إنتاج زيت الزيتون الذي يُعد من الزيوت الأكثر طلباً في الأسواق العالمية.

• بيئية: مقاومة التصحر، تثبيت التربة، وتحسين جودة الهواء.

• اجتماعية وثقافية: شجرة الزيتون رمز للسلام والصمود في العديد من الثقافات، وتدخل في العديد من الطقوس والعادات.

خلاصة

غرس شجرة الزيتون يمثل استثماراً طويل الأمد في الأرض والبيئة والاقتصاد. إن الزراعة الناجحة لهذه الشجرة لا تقتصر على غرسها في التربة، بل تتطلب فهماً عميقاً لاحتياجاتها من الماء والتربة والتسميد، ومتابعة دقيقة للآفات وعمليات التقليم، لضمان استمرار إنتاجها لعقود طويلة. كما أن الاهتمام بأنواع الغرس والتوقيت المناسب ومراعاة الظروف المحلية يعد مفتاحاً أساسياً لنجاح المشروع الزراعي القائم على شجرة الزيتون.

المراجع:

1. FAO – Food and Agriculture Organization of the United Nations. (2020). Olive Growing.

2. IOC – International Olive Council. (2022). Best Practices for Olive Cultivation and Production.